قصة قصيرة ( صفحة من يوم )
من يطوي صفحة ذلك اليوم الذي تساقطت ورقة منه، و ادلهمت فيه السماء،و نضحت فيه السحب بالمطر الغزير بعد أن أمسكت ماءها...لقد جلبت بردا دكت فيه الأوصال و القلوب ، و هيأت لاجتماع شمل العائلة من قريب و بعيد و لولا مرض الوالد لم يكن ليحتشد الجمع .يومها لم يأخذني شغف العمل إلى الثانوية باكرا كما تعودت.حملت المحفظة و الخطوات تؤوب بي إلى الوراء، و تثقل كاهل جسمي الهزيل و كأنها تقول بملء فيها:ماذا تنتظري؟ شدي الرحال إلى أبيك فقد تلحقي بإلقاء النظرة الأخيرة عليه و قد لا ..لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، انتظرت دخول أولادي من المدرسة و زوجي من العمل ، و كم كان الانتظار دهرا كنت قد حضرت الغذاء و القلب يتحسس صفحات وجه أبي و يتتبع نظراته التي تطرح بدل السؤال أسئلة، و يرصد هلع أمي و صرير خطواتها بين الغرف،كأن الجرس يرن بأخبار حزينة...
أسرعت في رحلة التنظيف و الطهي تحضيرا للبقاء معه أياما في الطريق إلى منزلنا جاء دور المخاوف عبثت بي كالريح من كل اتجاه لن تصلي و خبر الموت يسبقك...
عجبت قاعة الجلوس بالأهل و بمن يحبه لم أصدق ما رأيت تبدل أبي الف درجة ، نعم شخصت عيناه البنيتان و دخلت تماما في السقف،هزل جسده لا شحم لا لحم لم يبق منه إلا الخط الرفيع المستلقي على الفراش و التي تهزه الثياب. شهقات و زفرات بالكاد تخرج تسرع كرة في الصدر و البطن صعودا و نزولا. حاولت أن أقترب منه لمدة أطول لم أستطع وقعت بين أفكار مشوشة تلعب بي فتبعدني كثيرا ، و بين مخاوف من المجهول تقربني قليلا، و بين هذا و ذاك يخترق أذني صوت الماء الذي يناوله إياه أحد أعمامي تسهيلا لأن يشد الرحال إلى دار البقاء .كم كانت الساعات الاخيرة من عمره جد مرهقة و عسيرة عليه و علينا .
لن أنسى تلك الساعات فكلما أحيتها الذاكرة و ألهبت فتيل الشوق إليه داويتها بالدعاء لروح أبي الغالي طمعا في المغفرة و الرحمة و جنة الرضوان من الرحيم الرحمان .
وهيبة بتشيم ( الجزائر )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق