( ما بين الموت والحياة )
جلس أمامي كمن اجمع كل قواه ولملم أشتاته ليقدر على الكلام أو ربما ليقدر على الصمت ؟!
فلم أدرك تماما حينها المعنى الحقيقي لتلك النظرات الجامعة مابين الحزن والفرح و الخوف والقلق مابين الصراع على البقاء أو الاستسلام للرحيل
مابين الموت والحياة.... و بمعنى أصح بعدها ادركت تلك الحقيقة التي لم أدركها للوهلة الأولى.. المعنى الحقيقي للموت مابعد الحياة
بدأ يبادلني الكلام و يشاركني أطراف الحديث كنت أقرأ عيناه المليئة بمشاعر مندمجة غريبة يعجز وصفه
كنت أقرأ بنظراته ما يعجز لسانه على قوله
و اشاهد بملامح وجهه صورا مؤلمة لم ترسمه ريشته بعد لكنها رسمت بأعماقه و حفرت تضاريسها في عقله
و تلك الدموع التي أخفاها بطرف عيناه و لمعت بها عيناه رغم كل محاولاته على الإخفاء
و لما بدأ بسرد الأحداث محاولا أن يربطها بسلسلة مترابطة لكنها كانت مابين الواقع والحلم ..مابين الحقيقة و الوهم ... مابين الصحو والنوم..
والشيء الصادق الوحيد الذي جمع بين كل هذه الحالات كان الألم...
الألم الذي لطالما رافقه وكان سببا في وقوعه و وقوفه
نعم حين يكون الداء والدواء حين يقولون داويها بالتي كانت هي الداء.
و بدأت زبزبات صوته بنبراته الحزينة المؤلمة الى حد الوجع تخترق فؤادي و تهز كياني و أسمعه بصمت و هو كلما صمت وتوقف سمعت صراخا قويا خرج من صمته أمامي.
حتى بدت أكلم صمته بصمتي ووجعه بوجعي على ما أوجعه
يتحدث عن تلك المعاناة التي عاشها في العناية المشددة مابين الوعي والاغماء . الواقع المرير الذي يحكم عليك بالموت و أنت مازلت على قيد الحياة . كيف تكون في غيبوبة وأنت لا تشعر بجسدك فهو ثقيل و لا يتحرك و قلبك ينبض يطلب المساعدة ومامن مجيب
الأصوات التي تسمعها إنه هو أخطر مرضانا و هذه الكلمة .
تخيلت تلك الجملة ربما قتلته لولا يملك الإرادة الأقوى منهم و ربما كانت تلك الجملة لو كان ضعيفا أودت بحياة غيره .
اللحظة الحاسمة التي جعلته يفكر مرارا يتذكر من أحبوه و ينتظرون عودته .و هو لم يتذكر سواهم و ركز على البقاء لأجلهم ولأجل حزنهم على فراقه .
نعم جمع كل حبه وقواه و إرادته و ركز على أمر عودته الى أحبته
وحقا فعلها رغم كل الصعاب تحداها و ما غفى له عين من خلف طبق الأجفان
و يتكلم ويتكلم حتى اندمجت بالكلام و ذهبت معه الى خلف تلك البيبان و عشت معاناة من هم خلف القضبان و كيف للانسان أن يكون في سكرات الموت وهو يرى نفسه يطير بلا جناحين .
ورغم الحديث الشيق بمشوار عذابه كان مابين الصمت الناطق واللسان العاجز والعيون الدامعه
حتى لم ينتهي الحديث وربما لها تتمة معلقة بين السماء والأرض كما تعلق ذاك الروح مابين الجسد والروح اللذان توحدا بحب صادق يستحق العودة لأجله و يستحق التحدي والبقاء وهو مدرك تمام إنه يملك قلبا غير قلبه ينبض مكانه حين يتوقف قلبه و عيناها اللتان ستسهر على مراقبته و تدمع لخوفها أن لا تراه مرة أخرى.
وأصعب مافي الأمر أو أصعب ما ختم به كلامه دون التعمق في الصدمات التي تلقاها مثل الصاعقة.
الموت ليس صعبا .ليس مخيفا. ليس مرعبا. الموت أسهل وأبسط مما توقعناه.
إنك تغمض عيناك على آخر ماتراه وتنام حتى تذهب في نوم عميق لا تشعر بشي لو كانوا يقطعون في أشلاء جسدك
لكن السؤال الذي كان جوابه المعنى الحقيقي للموت .
هو ماذا بعد الموت؟!
بعد العودة من الموت إلى الحياة؟!
إنها المرحلة التي تتطلب منك كل النتائج التي حصلت معك وقبلها رغم كل فظاعتها
إنها المرحلة التي تطلب منك الصمود و المواجهة وأنت صاحي فاتح العينين و تحمل الأوجاع.
وهو الإمتحان الأصعب إما البقاء والنهوض مهما كان
أو البقاء والرحيل رويدا رويدا
إنها الحقيقة المرة.
العودة الى الحياة من الموت أصعب من الموت .
والموت في العناية المشددة أصعب من العودة منها الى الحياة
كلمات تكررت الموت .الحياة. العناية المشددة.
كانت حالة ذاك الإنسان الذي كان في عالم و يرى نفسه يحتضر مرة و ميت مرة وعاد عاش مجددا لكنه يعيش سكرات الحياة التي باتت أصعب من سكرات الموت.
نقطة الوصل مابين الموت والحياة نفس
نقطة الوصل مابين الألم والكلام همسة
نقطة الوصل مابين القوة والضعف لمسة
نقطة الوصل مابين الارض والسماء نظرة
نقطة الوصل مابين الانعاش والعناية المشددة صرخة
نقاط الوصول مابين اللاقي والمتلقي مصير حياة او موت
كونوا أناس يحملون معنى الإنسانيه يرحمون بعضهم حتى يرحمهم من في السماء ومن يثق بالله ويؤمن بقدرته ومن به روح لم يأمر رب العالمين بأخذه لن يستطيع أحدا على أخذها
و الأقدار تكتب نعم لكن شيء واحد يغير أقدارنا الدعاء و من القلب وسبحان الذي يغير ولا يتغير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق