الخميس، 25 فبراير 2021

مأساة أم.........سيادة العزومى

القصة التي أبكتني وأبكت العالم للأسف واقعية 
   اكتب على جوجل مأساة أم (كاملة )
       لسياده العزومي سقراطة الشرق 

 من كتاب العب عالميا  
 
              مأساة أم              
 
-لم يراود خيالي كامرأة ريفية ولِدت بين الأرض والنهر، أن تلقيني الأيام في شوارع المدينة الصاخبة عاريةً لا سند ولا ظل لي، أعيش على الكبَر حياة الرحيل، وأنا علي قيد الحياة، بعد أن بلي جسدي واضمحلت قواي ، وأزيز الآلام في أعماقي كتسرّب ريح من بين زجاج نافذةٍ مكسورة في يومٍ عاصفٍ، استنشق ملوثات المدينة، أراقب صناديق قمامتها، وحين غفلت الجميع، وهم دائمًا في غفلةٍ حتى عن أنفسهم، بعد أن سجنتهم المدنية المزيفة في صراعاتها، وعلى استحياءٍ حتي من نفسي أنبش فيها لعلّي أجد بعض اللقيمات التي تقيم صلبي، وتهدئ من عواء جوعي، أعف بها نفسي عوضًا عن أن أمد يد السؤال، حتى  ظن الجهلاء أني غنية من التعفف، فماذا تفعل امرأة فلاحة ولِدت وتربت بين الأرض والنهر غير التوكل على الله وغرْس الأرض .
زرعتُ يومًا في حديقة المدينة الصاخبة بين حشائشها بعض عيدان الفجل والجرجير؛ لعلي أجد ما أضعه في لقيماتي، جادت أرض الله الطيبة بالخير. 
وذات يومٍ، حدث ظرفٌ طارئ لصاحب المشتل على يمين مدخل المدينة، قصدني أن أبقى فيه حتى ينتهي من أمره، وعندما قضى الأمر طلبتُ منه أن يعطيني من أجري وعرقي شجرة تفاحٍ، ويكرمني فيها، أخذتُها وزرعتها في الحديقة بجوار الحي، ظللتُ أعتني بها، أدفع عنها عبث الأطفال والمتنزهين، أراقبها، وكلما كانت تكبر كان يكبر معها حلمي، رأيت في خيال نفسي شوارع المدينة قد امتلأت بالأشجار المثمرة: البرتقال، التفاح، الليمون، المشمش، اليوسفي...
أثمرت الأشجار بكل نافعٍ وطيبٍ، حُفت الحدائق بالنخيل وتساقط منه الرطب، ومن بين المظلات الزهور فاح عطرها، وتعطرت المدينة به، حتى جاءت الطامة الكبرى، استيقظتُ من حلمي على عامل الحديقة يقتلع شجرة التفاح من جذورها، وأشعل فيها النار، وكأنما اقتلع روحي من جسدي، وأشعل النار فيَّ، تشاجرتُ معه شجارًا عنيفًا. وشى بي عند رئيس الحي، فأمر بحرث حدائق المدينة كلها ومعها عيدان الفجل والجرجير، حرق حلمي وقطع شجرتي وحرث الحشائش، فلم أجد ما أضعه في لقيماتي غير دموع الحسرة والندامة، لم تعد الحياة عندي غير أن أشرب من كأس الندم كل ليلة، حتى يسكر قلبي من همه وحزنه، يغفل ندمًا أنني خلعتُ جلباب مسقط رأسي، وهاجرتُ إلى المدينة عاريةً لا سند ولا ظل لي مع أبنائي، الذين ما عادوا أبنائي!!.
سرقت المدينة برّهم، أو ربما ألقوه في ذاكرة النسيان مثلما ألقوا الكثير من العادات والتقاليد بالجري وراء حداثة المدينة المزيفة
هواء الريف كان يؤنس وحشتي، وطيب الأرض كان زادي ودوائي، الليل سكني والنهار معاشي، تبدل الحال من حالٍ إلى حالٍ، وما أصعب أن يتبدل بك الحال وأنت على مشارف الرحيل من هذه الحياة، تعجز أن تلملم أطراف أحداث يومك
نهارك تخطو عليه وكأنما تخطو على لهيب معدنٍ منصهر، وليلك تؤنس وحشته بالوقوف علي أعتاب ذكريات الماضي، تهب عليك أرواح فارقت أجسادها الحياة، وما زالت تعانقك نسيم مودتها، تسرق نفسك في الخيال إليها، حتى يغلق مر الواقع  مداركك، أو عن عمد تغلقها بنفسك، ما أصعب الحياة وقد استخرجتْ لك شهادة وفاة وأنت على قيد الحياة، تتلمس خُطى أيامك في صمت يدوي في الأعماق، ليتني لم أخلع جلباب مسقط رأسي وأترك الريف، ولِدت ونشأت بين الأرض والماء والهواء، فكيف لي أن أحيا بين المباني والمكاتب وكل شيءٍ مسعر؟!
لو كنتُ هناك في مسقط رأسي لبنيتُ على ضفاف نهره من عيدانه كوخًا استظل به في نهاري والتحفه في ليلي، وأوقدتُ منها على طعامي مما تنبت أرضه الطيبة، أو مما اصطاده من نهره، لكن هذا ما جناه اختيار عاطفتي وفلذات      كبدي علينا!!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق