الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

ياٱسره......محمد رشاد محمود

(يا آسِرَة) - (محمد رشاد محمود)
أسندت زنديها إلى طاوِلَةٍ ما بيننا وتراجعَت شيئًا ، كأنما تستَجمِعُ آلات فتنتها ، ونَفَضَت رأسها ، فانتثرَ عن يَمينه وشماله نثارٌ من تَمَوُّجات تزري بالعِطر ، وبدا جبينُها الأغَرُّ أنصَعَ مِن تَبَلُّج الشَّمس بعدَ انحجابها في يومٍ كئيب ، فقُلتُ - وكنتُ أعلمُ انشغالها بغيري - "أتتَزَوجينَني؟" .فَزَوَتْ ما بينَ عَينَيها وقَطَّبَت ، فبَدَت في تَقطيبها أنضَرَ و أبهى ، فعاجَلتُها مُداعِبًا :" أوَ تَظُنِّينني أُفطِرُ على بَصَلَةٍ بعد صيامي ذاك الطويل؟". قالت وهي تَمُطُّ في حروفها مَطًّا :" يا سلاااام ! "   قُلتُ - وكانَ الوقتُ ربيعًا - " أتسهَرين ؟ " قالَت مُحاوِلَةً أن تربِطَ بين تلكَ الطَّفرَة وبين ما خُضتُ فيه : " ماذا ؟! " . قُلتُ :" سوفَ أنفُذُ إليك وأهبِطُ مع صبيب القَمَر من نافِذَتِك بعد مُنتَصَفِ اللَّيل ، فأحولُ بينكِ وبينَ   النَّوم " وتَرَكتُها وتلك الأبيات تُزَمزِمُ ما بينَ جوانحي ذات يومٍ من إبريل عام 1987 :
سأرتـــــادُ وَكنَـــــكِ يــــــا آسِـــرَه
وأنـــتِ عــلـــى غِــــرَّةٍ سَـــــادِرَه
وأُزري بِــأسـبــابِــكِ المُــوصَـداتِ
خَيَـــــالًا سِـــوَى سُتـــرَةٍ ســاتِــرَه
إذا فضَّ منـــــكِ انسـدالُ الــدُّجَى
مَفاتِـــــنَ جُنَّـــــتْ عَـن السَّــامِــرَه
وألثُــــمُ خَدَّيـكِ عِنـْــدَ افتِــرارِ الـــ
ــلَمَى عَن مـبَاسِمِــكِ البــــاهِـــــرَه
وأشْتَفُّ مِن ناهِــدَيكِ انفِغـامَ الشــ
ــشَذا نَـــــدَّ عَــن زَفــرَةٍ فائِـــــرَه
وتُورِدُنــــي خَطَـراتُ النســيــــــمِ
مَـــوارِدَ لِلـغَيــْــــرَةِ النَّــــــاغِــرَه
يُــداعِبُ جَفنَيــكِ بَـــدرٌ سـكـوبٌ
وتَعتَـــــــــادُكِ النَّـــســمَةُ العابِـرَه
شَبـوبٌ لَهَــــــا فـي خَلايـــا دَمـي
تَتــــابُـعُ أنــْــفــاسِـــكِ المائـــِــره
لَهَـــــــا بَـينَ قَلــبي أُوامٌ نَسُـــوفٌ
وعِنْـــدَ اضْطِـرامِ الحَنــايـَـا تِــرَه
تَعَالَي فماضي عُهـُـــــودي رُفـاتٌ
وبِيــــــــدٌ وآلٌ علَـــى واغِــــــرَه
تَعالِي نَلُــــذْ في هَــجيـــرِ المُلِمَّـــا
تِ بالـــدَّوْحِ والــرَّوضَةِ العـاطِـرَه
يُدَغدِغُها الطَّيرُ عِنْـدَ ارفِضاضِ الـ
ــضِّيــــَــاءِ وتَحـضنُهــــا النَّاشِـره
تَـــدانَي نَحُـل مَــوجَـةً مِن شُعَـاعٍ
يُرَقرِقُهَـــــا الوَجـــدُ في السَّـاهِـرَه
لَيَــالـيــكِ خَمْــــرٌ وشَـدوٌ وشَــوقٌ
وشَبَّــــــابَــةٌ بـــالأسَـــــا زامِـــرَه
وإطلالَـــــةٌ مِنْ ظِلالِ الغُيــــــوبِ
علـى وَقْــدَةِ القَلــبِ في النَّــاقِـرَه
(مُحمد رشاد محمود)
........................................................................................................................................
الناغِرَة : الغاضِبَة الفائِرَة . الأُوامُ (كَغُراب) : العَطَشُ أو حَرُّهُ . التِّرَة : الثَّأر . الآلُ : السَّرابُ . الواغِرَة : شديدَةُ الحَرِّ .
الهَجيرُ : شِدَّةُ الحَرِّ . النَّاشِرَة : الرِّيحُ الهابَّة والأرضُ المُنبِتَةُ من أثَر الرَّبيع .
السَّاهِرَة : وَجهُ الأرض . الأسَا : المُداوَاة . النَّاقِرَة :المُصيبَةُ والدَّاهِيَةُ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق