تراجيديا العتاب والتوازن الدلالي لطاقات اللغة في قصيدة (محطات الأرق) للشاعر عمر المولى
**********
أ/بندر علي مجمل
تتطلب التراجيديا في العمل الأدبي فعل كامل يحتوي على بناء درامي خاضع لقانون (الضرورة والاحتمال)لارسطو ).
والبناء الشعري متربط بالبنية السردية بمنطقية الاحتواء على التفاصيل الجوهرية للبناء النصي ، ابتداء من التمهيد للأحداث السردية الخاضعة للسيرورة البنائية ، وعرض التفاصيل الحدثية الى ذورة الأحداث، بشرط تحيق البناء المتجانس بين وحدة الموضوع، ووحدة الحجم، ووحدة جماليات التركيب ، بقدر ما تكون الوحدات كافية لتوضيح الأحداث وتتبعها وتطوراتها .
وهذا التكوين الدراماتيكي ملحوظ في قصيدة (محطات الأرق) التي أعتمدت أحداثها على المحاكاة الخطابية لتفاصيل روائية بعقلية شعرية، ومضامين واحدات بنائية مركبة، بأنماط موضوعية متناسقة ذات عزف تراجيدي قائم على النبرة العتابية الحادة عبر مسارات سردية كاملة البنية الحدثية منذ البداية حتى النهاية .
وقبل الخوض عند الأحداث التراجيدية في السياق النصي ، نتوقف لحظة عند العنوان (محطات الأرق) باعتباره بوابة الولوج الى النص، فالعنوان مرن يضج بطاقات تعبيرية ودلالية عالية، تقود الزمن المهيمن بأتجاة بؤرة خيالية مشفرة ، تكشف وظائف متعددة تقودنا نحو زمن مبهم متوقف مدجج بمكابدات الانتظار المرير لرحلات متعاقبة و مرتقبة بدلالة (محطات ) التي توحي بنمط متعدد الاحتمالات التوقيفية القائمة على التعدد بدلالة صيغة الجمع (محطات ).
ويشكل العنوان موسوعة شاملة التنظير (للاغتراب) بشقيه المكاني والنفسي من خلال التراكيب لدلالة لفظ (محطات ) المشبعة بطبيعتها الدلالية التى ترمز الى المكان الغير مألوف الخاضع لتكتل الحاجة الماسة العابرة والذي يشير الى( الاغتراب المكاني) مسنودا الى لفظ (الأرق) بكينونته الساقطة على الذات الانسانية الذي يشكل (الاغتراب النفسي).
وسمات العنوان والياته تعكس لنا اهتمام الشاعر برصد دلالاته المتجانسة (محطات الأرق) بكينونتها الدلالية ومايطراء عليها من احتمالات تأويلية .
وأذا تجولنا في فضاء النص فأننا نلاحظ بنية نصية متماسكة الوحدة الموضوعية، بفلسفة لغوية تعزف تراجيديا حسية تفسر مكابدات (الأنا المتكلمة ) التي اسقطتها على أجواء النص بعزف سيمفوني مرتكز على منطلقات العتاب، بلهفة شغف عنيفة لايضاحات انتقادية برزت في مضامين النصية وجعلت (الأخر) في موقع ضعيف يواجه انتقادات لاذعة من قبل (الأنا).
وعند التطلع في السيرورة النصية، قد ينتاب المتلقي أحساس غريب، يقوده الى التفكير في جدلية النص والحبكة الأسلوبية في التوجية الخطابي المباشر بهيمنة أسلوب السؤال اللذع بحيثيات انتقادية قصدية في قمة التعقيد و الابهام، تجعل الخطاب السردي متشعب الدلالة، لغرض جذب المتلقي الى أجواء النص ومعايشة الأحداث في تفاصيل العمق السردي لغرض التأمل المتأني (هل سهرتي الليل مثلي- في محطات الانتظار) بالأضافة الى التفكير في كيفية تعامل الشاعر مع اللغة بطاقاتها العالية التى تتفجر من خلال تحرير المفردات والتراكيب التي تحمل عدة أساليب فنية في محتويات الصيغة اللغوية
وقد استهل الشاعر قصيدته بمباغتة خطابية شديدة اللهجة عبر تقنيات السؤال الموجه بهيمنة الزجر الرادع والعتاب اللذع في محاولة البحث عن أجابة شافية بطريقة راسخة لسمات الأستهالة النصية والياتها الفنية التى تعكس لنا أهتمام الشاعر بعنصر الزمن والمكان ورصد دلالتهم (سهرتي الليل>>> في محطات الانتظار/استفاق الصبح >> نهرا /و الليالي فأل شوم ...).
وأذا توقفنا هنأ لحظة لوجدنا أن التوجية الخطابي موجة الى (الأخر المؤنث) بدلالة (تاء التانيث ) المسنودة الى اللفظ التخصصي والمشبعة بحركة الياء (سهرتي -أتخذتي -تركتي -تحملتي -أنسكبتي -تساميتي -)الى جانب اسقاطات الانفعالات الى ذاتية الأنا المتكلمة (مثلي- تحتويني -يتلوني ....) ببراعة لغوية قائمة على التكيف الشعري والشاعري بانسجامات الآه بعزف تراجيدي متنامي بين حركة التباين والمقارنة بين تناقضات فعلية لفعل ورد فعل متعاكسين ومتغايرين تماما على سبيل المقارنة والمواجهة وجه لوجه في السياق الشعري بمراسيم التضاد و تنافر فعلي، يرسم لوحة مدججة بالانين ومكابدات (الذات المتكلمة ) بوشاح شعري حزين معزز بالمعاتبة والصراع مع الأخر والمتغيرات المحاطة ، التي اصطدمت بها (الأنا) بمعادلة شعرية قائمة على أحداث متجة نحو زمنين متغايرين ، زمن ماضي بكينونته الراسخة المتجهة نحو الزمن الماضي بدلالة الفعل الماضي (سهرتي -أتخذتي- تركتي -غاب- ...) وزمن أخر متجه نحو الزمن الحاضر المتجه نحوالزمن المستقبلي بكينونة الفعل المضارع الراصدة والمتجددة (يكتسح -يحتضن- يشكو- يتجلى- ينغرز يحتضن- ينتشل- يختنق- يحترق- يبكي- تسكب -ينتهي- يحتضر ) وهذا ما يقيس لنا نجاح الشاعر في التعامل مع الالفاظ، وتقمص الالفاظ المعبرة التي لها ايحاءات ذاتية من خلال بؤرة المقاربة القائمة على التمثيل الصوري للمدلول السردي الذي يعمل على تقريب الرؤيا الدلالية وتوضيحها
الانا (المتكلم)>> الأخر المخاطب
مثلي >>>>>> سهرتي الليل
""">>>>>>>>تركتي القهر
يلتوني القهر >>> ما تحملتي الغرق
وغيرها من المقارنات التي أحدثت توازن لغوي وأسلوبي مقارن يرمز الى بنى دلالية مشفرة بقوة ترميزية كبيرة تصب جل سخطها على الأخر بمحاولة شعرية لرسم صور غير مألوفة تصور فيها حالة الرفض، وتعكس لنا السيرورة الحدثية التي برزت فيها الأنا بموضع تمثيل القيم المثلى المرجوة بدلالة شيوع لفظ (مثلي) المشار الى الأنا ذاتها (مثلي- من كمثلي ).
ويتسم النص بتنوع أسلوبي متقن متوافق البنية التركيبية ومتداخلة الأساليب الجمالية، بجمالية الصور الفنية داخل أطار الجملة الواحدة متعددة الصور، بطريقة محكمة ومختصرة دون تداخل، وهذا يدل على عمق خبرة الشاعر الابداعية الواسعة التي أستطاعت التحكم في المزج الصوري الجميل في الحقل السردي ، بمنعطفات فنية جوهرية الاختصاص الوصفي، وتناغم موسيقي مذهل مواكب لسيرورة النص، من خلال التناغم الموسيقي المذهل للموسيقى الداخلية المتنوعة، والتي تحدث صدى في نفسية المتلقي وجذبه الى الفضاء النصي بجماليات موسيقية مذهلة، وأهمها حركة النون والتنوين المدججة بالنص (حرفا- قهرا -غيثا -رمحا -مطلقا- وصالا -جثمان- ودا -عهدا- دما- دمعا -جمرا -غرورا -دوما ) والتي شكلت أجراس لغوية لموسيقى داخلية تتناسب مع حركة الانين المشبع في النص . كما يعكس لنا الفضاء السردي نمو القصيدة وأزهارها بجماليات القيمة المؤثرة بألفاظ الاختصاص للانائين (الأنا-الأخر) ، أضافة الى تأكيد الحسرات على الزمن الماضي، من خلال محاورة خارجية (ديولوج ) تعكس لنا لحظات الاغتراب، و نواحي الانكسار بشكل يجعل الخطاب الشعري أكثر تأثير تجعل المتلقي تعايش مرارة المعاني وحركة التعري للمكونات الايضاحية بفعل عذوبة المعاني .
وتختتم الأنا الشاعرة قصيدتها بحركة أستدارية لتخطي كافة الصعاب والخروج من العتمة ومكابداتها عن طريق (التحول الدراماتيكي ) والأنتقال من الشقاء الى واقع أكثر أشراق، رافضة للرضوخ لهيمنة الأخر ومكونات الهزيمة والاستسلام للأخر باعلان أخير لتخلي من كل الارهاصات والارتباطات بالأخر (فارحلي يكفي غرورا -أنت حلم وأنكسر -أنما دوما سابقى- بعدك يا كل شيء-كل شيء في حياتي- ينتهي قد يحتضر ).
أ/بندر علي مجمل- اليمن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق