اللغة العربية: إبداع وإمتاع وإقناع
علم البديع
دروس مهمة لكل شاعر وكاتب وأديب
الدرس الثامن (8)
في الجناس (تابع)
[ الجناس التام ]
وهو ما اتفق فيه اللفظان المتجانسان في أمور أربعة:
نوع الحروف، وعددها، وهيئتها، وترتيبها مع اختلاف المعنى،
وعلى هذا فالجناس التام فهو ما تماثل ركناه واتفقا لفظا واختلفا معنى من غير تفاوت في تصحيح تركيبهما واختلاف حركتهما سواء كانا من اسمين أو من فعلين أو من إسم وفعل فإنهم قالوا إذا انتظم ركناه من نوع واحد كإسمين أو فعلين سمي مماثلا وإن انتظما من نوعين كاسم وفعل سمي مستوفى وجل القصد تماثل الركنين في اللفظ والخط والحركة واختلافهما في المعنى سواء كانا من اسمين أو من غير ذلك فإن المراد أن يكون الجناس تاما على الصفة المذكورة من حيث هو أكمل الأنواع إبداعا وأسماها رتبة وأولها في الترتيب فمنه قول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه صولة الباطل ساعة وصولة الحق إلى الساعة
وقيل ما وقع في القرآن العظيم غير هذين الركنين وهو قوله تعالى ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة )
فالمراد بالساعة الاولى: يوم القيامة.. وبالساعة الثانية: جزء من الزمان.
ولكن استخرج ابن حجر من القرآن جناسا آخر تاما عظيما وهو قوله تعالى ( يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، يقلِّب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار )
فالمراد بالأبصار الأولى البصر والأبصار الثانية البصيرة
فهما متفقتان في نوع الحروف وعددها وترتبها وهيئتها، ولكنهما مختلفتان في المعنى.
ومن الشعر قول بعضهم وأجاد: [من الطويل]
وسميته يحيى ليحيى فلم يكن **** إلى رد أمر الله فيه سبيل
ومن ملح هذا النوع قول ابن الرومي: [من البسيط]
للسُّود في السُّود آثارٌ تركن بها **** وقْعاً من البِيض يَثْني أعينَ البِيض
السود الأولى : الفرسان، السود الثانية : الليالي
البيض الأولى : السيوف، البيض الثانية : النساء
وقول الراجز:
يا عامر بن مالك يا عمّا **** أفنيت عمّا وجبرت عمّا
أراد بالعم الأول أخا أبيه، وبالثاني الجمع الكثير. يقول: أفنيت قوماً وجبرت آخرين.
وقول الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى:
يا ويح قلبي من دواعي الهوى**** إذا رحل الجيران عند الغروب
أتبعتهم طرفي وقد أزمعوا **** ودمع عيني كفيض الغروب
بانوا وفيهم طفلة حرة **** تفتر عن مثل أقاح الغروب
فالغرب الأول: غروب الشمس، والثاني: جمع غرب وهو الدلو العظيمة المملوءة، والثالث: جمع غرب وهو الوهدة المنخفضة.
ومنه قول أبي الفتح البستي: [من الوافر]
( سما وحمى بني سامٍ وحامِ **** فليس كمثله سامٍ وحامِ )
بني سام وحام الأولى : البيض والسود من الناس
وسام وحام الثانية : من السمو والحماية
وقوله أيضا
يا أكثر الناس إحساناً إلى الناس **** وأحسن الناس أعراضاً عن الناسي
نسيت وعدك والنسيان مغتفر **** فاعذر فأول ناسٍ أول الناس
وما أحسن قول المعري :
معانيك شتى والعبارة واحد **** فطرفك مغتال وزندك مغتال
فمغتال الأول، من اغتاله بمعنى أهلكه، والثاني بمعنى الغيل بالفتح وهو الساعد الريان الممتلي،
وقوله أيضا
لم نلق غيرك إنسانا يلاذ به **** فلا برحت لعين الدهر إنسانا
إنسانا الأولى: البَشر، إنسانا الثانية : بؤبؤ العين أو ناظرها
وزعم الحاتمي أن أفضل تجنيس وقع لمحدث، قول عبد الله بن طاهر ذي اليمينين:
وإني للثغر المخوف لكالي **** وللثغر يجري ظلمه لرشوف
ومنه قول الغزي:
وخز الأسنة والخضوع لناقص **** أمان عند ذوي النهي مران
والرأي أن تختار فيما دونه ال **** مران وخز أسنة المران
وقول ابن فضالة المجاشعي القيرواني وقيل ابن شرف:
إن تلقك الغربة في معشر **** قد أجمعوا فيك على بغضهم
فدارهم ما دمت في دارهم **** وأرضهم ما دمت في أرضهم
فدارهم الأولى من المداراة ودارهم الثانية من الدار، وارضهم الأولى مشتقة من الرضى وأرضهم الثانية هي الأرض
وقول أبي منصور اللخيمي:
ودعت إلفي وفي يدي يده **** مثل غريق به تمسكتُ
فرحت عنه وراحتي عطرت ... كأنني بعده تمسكتُ
تمسكت الأولى من الإمساك، وتمسكت الثانية من المسك
ونظم الصفي الحلي هذا الجناس أحسن من هذا فقال:
غيري بحبل هواكم يتمسك **** وأنا الذي بترابكم يتمسك
وقال آخر:
وأعظم الناس ظلماً من كلفت به **** لأنه زاهد في راغب فيه
السحر في عينيه والروح في يده **** والورد في خده والند في فيه
وما ألطف قول القائل:
أقول لطبي مر بي وهو راتع **** أأنت أخو ليلى فقال يقال
فقلت يقال المستقيل من الهوى**** إذا مسه ضر فقال يقال
ومطلع قصيدة ابن نباتة التي امتدح بها الملك الأفضل صاحب حماة غاية في هذا النوع وقد عارض أبا الطيب المتنبي فمطلع المتنبي من الكامل]
أرق على أرق ومثلي يأرق .**** وجوى يزيد وعبرة تترقرق
ومطلع ابن نباتة : [من الكامل]
ما بِتُّ فيك بدمع عيني أشرق **** إلا وأنت من الغزالة أشرق
المصادر:
كتاب البديع في البديع لابن المعتز ت247ه
العمدة في محاسن الشعر لابن رشيق القيرواني ت390ه
زهر الآداب للحصري القيرواني ت453ه
خزانة الأدب لابن حجة الحموي ت837ه
أنوار الربيع في أنواع البديع لابن معصوم الحسني ت1119ه
جمع وإعداد وتقديم: محمد أبورزق
الجمعة، 4 يناير 2019
الجناس التام..........محمد ابو رزق
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق