اللغة العربية: إبداع وإمتاع وإقناع
علم البديع
دروس مهمة لكل شاعر وكاتب وأديب
الدرس التاسع والثلاثون (39)
[ تشابه الأطراف ]
تشابه الأطراف: عبارة عن أن يعيد الشاعر لفظة القافية في أول البيت الذي يليها، فتكون الأطراف متشابهة. وسماه قوم: التسبيغ بالسين المهملة، والغين المعجمة، والتسمية الأولى أولى، وقد يكون ذلك في النثر أيضاً، بأن يعيد الناثر سجعة القرينة الأولى في أول القرينة التي تليها. ووقع ذلك في القرآن العظيم وهو قوله تعالى: (وعد الله لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) فأعاد فاصلة الآية الأولى "يعلمون" في أول الآية الثانية.
ووقع في غير الفواصل أيضاً، وهو قوله تعالى: (ألله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري) .
ومثاله في الشعر قول أبي حية النميري:
رمتني وستر الله بيني وبينها **** عشية آرام الكناس رميم
رميم التي قالت لجيران بيتها **** ضمنت لكم ألا يزال يهيم
تشابه الأطراف في رميم في قافية البيت الأول ورميم في صدر البيت الثاني.
وقول ليلى الأخيلية تمدح الحجاج بن يوسف:
إذا نزل الحجاج أرضا مريضة **** تتبَّع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها **** غلام إذا هز القناة سقاها
سقاها فرواها بشرب سجالها **** دماء رجال يحلبون ضراها
ــ فكلمة "شفاها" في قافية البيت أعيدت في صدر البيت الثاني وكذلك "سقاها" ــ
والضرى: دم العرق الذي لا ينقطع.
ويروى البيت هكذا:
سقاها دماء المارقين وعلها **** إذا جمحت يوما وخف أذاها
ويقال أن الحجاج قال لها: قولي (همام إذا هز القناة سقاها) .
ومنه قول النابغة الذبياني:
لعمري وما عمري علي بهين **** لقد نطقت بطلا علي الأقارع
أقارع عوف لا أحاول غيرها **** وجوه قرود تبتغي من تجادع
وقول فضالة بن وكيع. قال الشريف المرتضى: وهو من أحسن ما وصف به الثغر:
تبسم عن حم اللثاث كأنها **** حصى برد أو أقحوان كثيب
إذا ارتفعت عن مرقد عللت به **** من اليانع القوري فرع قضيب
قضيب نجاه الركب أيام عرفوا **** لها من ذرى مال النبات خضيب
القوري: يعني من يانع الأراك. ونجاه: قطعه. ومال النبات: ناعمه وحسنه. وعرفوا، أي اجتنوه من عرفات. وذكر أنه خضيب بالطيب الذي بيديها. قاله في الغرر والدرر.
ومنه قول عمر بن أبي ربيعة:
فلم أستطعها غير أن قد بدا لنا ****عشية راحت وجهها والمعاصم
معاصم لم تضرب على البهم بالضحى **** عصاها ووجه لم تلحه النسائم
وأحسن ما وقع في هذا النوع، قول أبى نواس:
خزيمة خير بني خازم **** وخازم خير بني دارم
ودارم خير تميم وما **** مثل تميم في بني آدم
ورد على أبي نواس هذا القول الحافظ فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري. فقال وأجاد:
محمد خير بني هاشم **** فمن تميم وبنوا دارم
وهاشم خير قريش وما **** مثل قريش في بني آدم
وفي هذا النوع أعني تشابه الأطراف دلالة على قوة عارضة الشاعر، وتصرفه في الكلام، وإطاعة الألفاظ له، ولا يخلو مع ذلك من حسن موقع في السمع والطبع، فإن معنى الشعر يرتبط ويتلاحم به، حتى كأن معنى البيتين أو الثلاثة معنى واحد.
ولما كان هذا النوع لا يتأتى إلا في بيتين، قال الشيخ صفي الدين في بديعيته:
قالوا ألم تدر أن الحب غايته ... سلب الخواطر والألباب قلت لم
لم أدر قبل هواهم والهوى حرم ... أن الظباء تحل الصيد في الحرم
تشابه الأطراف بين (لم) في قافية البيت الأول و (لم) في أول البيت الثاني.
وبيت بديعية الشيخ عبد القادر الطبري قوله:
شابهت أطراف مدحي في صفاتهم ... صفاتهم ساميات المجد والشيم
وبيت بديعية ابن معصوم الحسني هو قوله:
تشابهت فيهم أطراف وصفهم ... ووصفهم لم يطقه ناطق بفم
المصادر:
كتاب البديع في البديع لابن المعتز ت247ه
العمدة في محاسن الشعر لابن رشيق القيرواني ت390ه
زهر الآداب للحصري القيرواني ت453ه
خزانة الأدب لابن حجة الحموي ت837ه
أنوار الربيع في أنواع البديع لابن معصوم الحسني ت1119ه
جمع وإعداد وتقديم: محمد أبورزق
يُتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق