السبت، 9 أكتوبر 2021

حسناءالمكتبة...يقظان علوان السيدحمد

حسناء المكتبة 

هو يافع الكتابة له وليدٌ واحدٌ من الدواوين لم يعهد عصر الفتوحات التليدة في محافل توقيع الكتب ولاقاعات المؤتمرات الواعدة .
لذلك كان رجلاً من جنوب القلب يبحث عن نافذة شاحبة يدفع من خلالها بثقل مخيلته التي يتصاعد منها دخان الكتابة التي لطالما تحاور عقول القراء .
إنه يسحر من يقرأ له كأنه يُفرج عن مكنون مشاعرهم .كانوا يرونه سانتا كلوز حين يضع الأمل والحب في صناديق بريدهم فهو بذلك يقربهم من أحلامهم .
مكانه المعتاد في زاوية المكتبة لإنها تُفتنه بالهدوء إذ بينه وبين الكلام جفاء لاأحد يفهم كُنهه فالبعض يعتقد أنه يعتلي صهوة الخيلاء والآخرون يعتقدون أنه في سبات الصمت عبر متاهات الإسيحاء وغيرهم يعتقد أنه تشرنق ذاتي.
لم تغريه الحياة خارج طاولة الكتابة إذ كانت الكتابة لديه تميمة يمنحها للعقول الحائرة .
وعلى ضفاف الورقة تتسلق حروفه لتشعل قناديل الإمنيات ليقترب من باحة الايحاء المبارك لعله يقرع أجراس الطمأنينة التي تجرد منها بعد أن إستدجته في الآونة الأخيرة الوحدة المتطرفة الى مكامن التيه الذي أدى بدوره الى جعل الكتابة تطحن الكتابة .فلاحظ أن وهج أفكاره أخذ يخبو ليدرك أن إنفلات الفكرة يؤدي إلى أن الوقت سيهدره ويقرنه بالصمت .
أخذ يقشر عقله لعله يظفر بخشوع يغمره أو كلمة متثائبة ترتدي نعاس الصباح .لكنه أدرك أنه عالق في مقبرة الأحلام .أصبح كمسمار أحدب يجلس ولايكتب بل يرمق غنائم ذاكرته المتداعية القفراء بعد أن أهدى للصدى صوته الوحيد المرتحل.
نظر الى قلمه وقد أصيب بعاهةٍ الا وهي  الثلم في السطور الا أن جل مايفعله هو مؤازرة المهدئات قبل أن يلقي اليراع حتفه .عيناه مسمرتان على مؤخرات الكتب التي تشبه الرخام المرصوف في أروقة الكنائس .
أستمر بالبحث بين حرائق أصابعه التي أصابها الزمان بالعطب عن فينيق ذي دمعة تسافر به عبر حدود المنفى المحنط .إنه يهرول خلف قافلة الوجدان عله يدك ماتبقى منه ويُرقص حروفه على وقع الحداء المنسوج بأصوات نواطير الهمس .
لازال قابعاً في زاوية المكتبة كجندي محاصر فقد ذخيرته يحرق الوقت في لفافة التبغ التي تجر خلفها تنهيدة حافية تجتث ماتبقى من كبرياء .إنه مكبل ب اللاشيء يدور حول نفسه كالرحى تطحن ذاتها حين ينفذ قمحها ،أراد أن يفاوض الإمنيات ربما يقيم سلاماً بين غريق وماء لكن جرة الكتابة خاوية .إختزلته الوحدنه ليرتشف اللارمئي ليراقص بعد ذلك حلمه الرخو بعد أن تيبس طين اللغة .
وفي الصياغة النهائية لليأس وقبل أن يجر أذيال أجفانه ويبتعد عن جذور الطاولة التي كان يجلس بمحاذاتها دخلت (الهام) ذات الروايات المكتنزة والتي يتناغم لحن إبتسامتها مع عزف خطواتها المرأة صاحبة الجفون الوترية والبشرة الكرزية والملامح التي تشبه إغنيتاً فيروزية كشف عن دهشته بلهفة الإنبهار التي حين لمح البحر العميق في عينيها والشمس المنهمرة على كتفيها والضوء المنزوي خلف سراج إبتسامتها لاذ بالحيرة كيف للشمس ان تسير على قدمين .اسحضر شعر أدونيس 
وقولي لعينيك أن تغمضا 
أنا الآن فجر طويل طويل 
تكاد تقول الثواني :مضى
أراد أن يغرز عينيه في ملامحها لولا أنه أفاق من سباته بعد أن إستقبلتها بحفاوة صاحبة المكتبة .أخذ يبتهل النظرات اليانعة بينهما اذ سحرته لدرجة كأنه ناسك صلى بمحراب حسنها .
نظرت الى صورته المعلقة على مسافة ليست ببعيدة عن صورتها بأعتباره من رواد المكتبة اليافعين .عند ذلك لوحت له بالتحية الشقراء التي تشبه معاطف البردي أو وشاح السنابل الذهبية،فأغرقته التحية في بحر الإرتباك ليلوح لها كمن يجدف لينجوا من الغرق وعينيه شاخصة نحوها 
بعد ذلك نهض ليغادر فردوسه قبل أن يتعثر بإنكشاف سر التفاحة .وفي طريقه نحو الباب نسي مجموعة من أوراقه على الطاولة التي كان يشاغب مخيلته بالقرب منها .
تراقص المكان بصوتها وهي تنادي خلفه 
--  ياسيد   ياسيد لقد تركت خلفك بعض الأوراق 
لم يلتفت مما أجبرها أن تستعجل الوقت المتريث لتقطع إزاحة الإنصراف .إستدار نحوها لتراه رجل مزخرف بها تفوح منه خفقات العاطفة المحمومة .
وعند أول حرف ترجل من فمها الخمري أكمل فصول الرواية . إحتضر الكلام بين شفتيه لتدرك أنه أخرس 
أخذ يقرع نفسه عله يصدر صوتاً يشبه الاجراس 
أو حشرجة النار لكن إمنياته كانت جوفاء مشلولة وبقي الصوت مجرد فكرة طائشة وبقي في عينيه الف الف نداء ونداء وبين شفتيه الف سؤال وسؤال 
خرج وهو يتصبب إنتظاراً .بعد أن رفع حاجبيه كتحية تائه .
وكتعبير عن دخوله حقولها الشهرزادية رسم لها وجه مبتسم على نافذة المكتبة المزينة بالبخار المتصاعد من أنفاسه العالقة في المصافحة بين زفيرها وشهيقه 
ليكتب روايته التي تحمل إنعكاسها فيه   ليفصح عن عنوانها (أتنفسك) 

يقظان علوان السيد حمد
العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق