الجمعة، 4 أكتوبر 2019

كنت رائعاومثيرةللشفقة....نور سحنون

"Tu étais formidable, J'étais fort minable "
" كنتَ رائعا و كنتُ مثيرة للشفقة"
________________

لا أحد  هنا ،، تبيّن لي ذلك حينما ولجت المنزل و وجدته غارقا في الظّلمة.
اتّجهت إلى المطبخ، و أفرغت نصف قارورة الماء في فمي. ثم اكتشفت أنّني طالما تلقّيت الأوامر و الآداب  ومن ضمنها ان أشرب في كأس..
سكبت القليل من الماء في كأس  وشربته ثم وضعته جانب مواعين متسخة لم أقو على غسلها..
متعبة، أظنّني متعبة .و لا يوجد اكثر من التّعب الذي تستمدّه من مشاهد يومك، المشاهد التّي يفترض انها حيّة و لكنها تموت داخلك
متعبة، ربما من مشاهدة التفاصيل عينها كل لحظة
من الفراغ نفسه و النّدم نفسه  والوجع نفسه
متعبة، من حياة عبارة عن  يوم واحد يتكرّر إلى ما لا نهاية..

دخلت غرفتي و أغلقتها بإحكام، أعلم أن لا أحد في المنزل. لكنّني أغلقتها لخوفي من الأطياف التي تتبعني و تدخل من ثقب الباب،
الأطياف التي كانت عبارة عن أصوات، كلمات، أحكام و نعوت يطلقها عليّ البشر دون الوعي بشيء..
لطالما كان حلم الإنسان ان يصل إلى الألوهيّة و يطلق الاحكام و يعاقب  ويجازي و يحرّم و يحلّل
و قد نجح الانسان في هذا اكثر من الاله نفسه
شيء مقزّز.

طردت الأفكار الحمقاء التي أعلم انها ستعود في وقت ما.
و شغّلت أغنية  بصوت عالٍ كي لا أسمع غيرها
ظلّت كلماتها الفرنسيّة تمر أمامي جيئة و ذهابا و لكنّ كلمات معيّنة استوقفتني. و ولجتني من كل مكان إلى أعمق عمقٍ في جرحي.
الجرح الذي نزف دموعا و استنزفني، جرح مرّ عليه الزمان حتى مات و قتلني.
قالها المغنّي ثانية و لازالت تضغط على جرحي و تستوقفني
" Tu étais formidable, j'étais fort minable"
تذكرت حينها حقا كم كنتَ رائعًا  وكم كنتُ مثيرة للشفقة..
سنوات مرّت بدونك، و رغم غيابك إلا أنّك أكثر الناس حضوراً، فيَّ..
تبدأ السنة بالنسبة لي من التاريخ الذي عرفتك فيه و أعيادي لم تعد كسائر الاعياد. فأحتفل بالعيد الأول لقولك أحبك و أحتفل بيوم مولدك.
و أرثيك في يوم فراقنا..
كنتَ رائعا، تحدثني و تحكي لي قصصا و تغنّي لي و تضحكني  وتنتشلني من البكاء و التّعب.
كنت تفعل الكثير دون انتظار مقابل لذلك.
رغم انني اعرفك لدرجة اعلم فيها انك لم تكن لتفعل هذا مع احد غيري.
و كنت انا مثيرة للشفقة لدرجة البؤس، لدرجة انسداد حلقي و عدم قدرتي على الحديث، لدرجة الانهيار و البكاء و تكسير كل جماد ليس له دخل بي.

لم تغب أحلامنا لحظة عنّي، لطالما حلمنا و رسمنا الكثير من الرسوم التي نقبع في مركزها ممسكا يدي ، متوسّدا حضني.
المنزل الصغير، الجرو، مشغّل الاغاني، الرّقصات التي سنرقصها  والاغنيات التي سنغّنيها.. كلّها تلاشت و استقرّت هنا.
بدماغي اللعينة التي لا تنفك تعذّبني و ترفض قتلي.
كل ما طلبته رصاصة رحمة تستقر في وسط رأسي و ينتهي كل شيء، دعوت الله كثيرا، كان لا بدّ انّه سيستمع لبعض همساتي. يكفيه ان يستمع للقليل و يفهم.
انتظرته كثيرا، لكنني ادركت انّه يجب عليّ  تلبية حاجتي بنفسي دون تدخّل الاله او البشر ...

نسيت أن أخبرك، انّي ألقيت ابني الرّضيع من الشّرفة
مات. و لا اعرف اين زوجي.
لم اكن اما جيّدة، تعلم كم كرهت الاطفال و كم كانت رغبتي في عدم انجابهم شديدة.
لذلك انا هنا اليوم وسط الكثير من الناس في مكان مغلق بإحكام.
يسمّوننا مجانين
و انا المجنونة رقم 2897.
لا أعلم اذا كان كلّ هذا حقيقيّا.
أقصد الورقة و ما اكتبه
لأنه يمنع علينا  استعمال الاوراق  والاقلام و كل شيء..
ربّما هذه الرسالة لا وجود لها الاّ في عقلي.
ربما لا وجود للمنزل و الغرفة و ابني.
ربما لا وجود لك انت الاخر.
_________
كُتِبت في 17/07/2019 هنا، حيث لن يقرأها احد

التّلميذة نور سحنون الثّالثة آداب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق