حكاية طفلٍ بلا وَطنْ
رأيْتُهُ مُمدَّدًا فوقَ الرصيفْ
وعندَ رأسِهِ كتابٌ ورغيفْ
طفلٌ جميلُ الوجْهِ ذو جسمٍ نحيفْ
قبلَ الربيعِ جاوزَ العُمْرَ الخريفْ
كانَ مؤدّبًا مطيعًا ولطيفْ
وفي نشاطِهِ ومشيِهِ خفيفْ
لكنَّهُ ما كانَ حينها نظيفْ
دمٌ غبارٌ مشهدٌ فعلًا مخيفْ
طفلٌ صغيرٌ ربّما في العاشِرهْ
حفيدُ مجْدٍ في القرونِ الغابِرهْ
لكنّهُ أضحى لجُنْدِ الغادِرهْ
صيْدًا ألا تبًّا لجندِ الماكرهْ
أمَا لِأُمةٍ كثيرةِ الذنوبْ
صامتةٍ بائسةٍ بلا قلوبْ
ماذا أقولُ إنّني أبكي أذوبْ
هل من حياةٍ في هوانٍ للشعوبْ
كانَ الكتابُ كالقتيلِ قانيا
والخُبزُ أيضًا كالشهيدِ داميا
لكنّهُ كانَ ملاكًا ساميا
وسوفَ يحيا في الجنانِ راضيا
وَطفلُنا هذا القتيلُ الجاثمُ
كيفَ انْتهى بِهِ المطافُ القاتِمُ
وكيفَ أرداهُ قتيلًا غاشمُ
بلْ غاصبٌ ومجرِمٌ وظالمُ
دامَ الحصارُ وقتًا طويلْ
ولمْ تجدْ أسرتُهُ إلّا القليلْ
ممّا يسدُّ حاجةَ العيشِ الذليلْ
والبيتُ إمّا في بكاءٍ أو عويلْ
عشرةُ أفواهٍ جياعٍ ونيامْ
في غرفةٍ واحدةٍ بلا طعامْ
كيفَ لهمْ أنْ يخرجوا ضدَّ الظلامْ
وضدَّ جُنْدِ القهرِ والموتِ الزؤامْ
فخلفَ جدرانِ بيوتِهمْ كلابْ
وفوقَ حيطانِ بيوتِهمْ ذئابْ
عيونُ رشّاشاتِهمْ مَعِ الحِرابْ
ترقُبُ ما يُفتَحُ من قفلٍ وَبابْ
لذا بقوْا أسرى الحصارِ في البيوتْ
فكلُّ من يغادرُ البيتَ يموتْ
وكيْفَ لا والعُرْبُ أبطالُ السُكوتْ
والغربُ أولياءُهم والحُكمُ حوتْ
لم يدركِ الطفلُ حقيقةَ الخطرْ
فالجوعُ كافرٌ ولا ننسى السهرْ
وما يعانيهِ الصغيرُ من ضجرْ
فكيفَ للطفلِ إذنْ أخذُ الحذرْ
ودونَ أنْ ينتبهوا انسلَّ بِصمْتْ
إذْ كانَ جائعًا لِكسْرَةٍ وَزيتْ
سارَ بلا خوفٍ ولمْ يشعُرْ بوقْتْ
لكنَّ عينَ الغدرِ لاقتْهُ بِموْتْ
د. أسامه مصاروه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق