من زاوية نقدية
ضرورة الأدب
بقلم : ثروت مكايد
(5-5)
يشبع الأدب الجانب الوجداني / العاطفي في البعد الروحي للإنسان..
والأدب معراج النفس لعالم الخيال ..
وفي عالم الخيال يعيد الإنسان ترتيب أولوياته ، ويعيد تشكيل عالمه ..
إن الصلة بين عالم الخيال والواقع من القوة والأهمية بحيث يؤدي أي انفصال بينهما إلى الجمود..
والأدب من عالم الخيال ..
والأدب مجاله الجزء اللامنظور من الحياة أو التيار التحتي الذي يصنع الأحداث دون أن يظهر في الصورة ..
ومهمة الأدب / الأديب أن يرجع الأحداث الظاهرة إلى عللها التي أثمرتها ومن ثم يصبح المجتمع / الفرد قادرا على إعادة توازنه النفسي والاجتماعي وهلم جرا ...
وينعكس الواقع على نفس الكاتب ..
ليس كانعكاس الصورة على المرآة التي تحاكي الواقع محاكاة تامة لا شية فيها وإنما هو انفعال بما يراه الكاتب ومحاولة لإعادة تشكيله بعد تثويره حتى يظهر فيه ما لم نراه في ذلك الواقع المحس فهو جديد قديم ..
وقد تسأل يا قارئي : إذا كان هذا بالنسبة للأديب أو المبدع فما بال غير المبدعين وهم الكثرة الكاثرة فأنى لهؤلاء إشباع ذلك الجانب الوجداني في البعد الروحي للإنسان ؟ ..
وهو سؤال من الأهمية بمكان ..
والرد أن غير المبدع يشارك المبدع إبداعه حال قراءته لمنتجه ، فالقاريء حين يقرأ نصا إبداعيا فإنه ينتج هو الآخر نصا موازيا ومن هنا تجيء أهمية القراءة عامة ، وأهمية قراءة الأدب على وجه خاص لأنه يشبع الجانب الوجداني في البعد الروحي للإنسان..
ومن البديهي أنه ليس كل أو أي قراءة تثمر تلك الثمرة وإنما القراءة المحترفة الواعية التي يأتيها القارئ عن وعي وترصد وذلك غير كائن إلا إذا كانت القراءة عمود رحى في حياة الفرد ولم تكن مجرد تمضية وقت أو قتله كما هي عادتنا في قتل الوقت ..
ومن قتل الوقت ؛ قتله الوقت ..
إن القراءة - كما بينت في مطلع مقالي - ليست ترفا وإنما هي ضرورة كضرورة الطعام والهواء ..
والأدب جنس من أجناس الفن كالموسيقى والنحت والفن التشكيلي والسينما والمسرح ...إلخ أجناس الفن كما أن الأدب أجناس شتى من رواية بأنواعها ، وقصة بأشكالها ، وشعر بألوانه وخاطرة ومقال أدبي ..
ومن أفضل الأمثلة للمقالات الأدبية ما كتبه الدكتور زكي نجيب محمود خاصة في كتابه " جنة العبيط " إذ يضم مجموعة من المقالات الأدبية للدكتور زكي نجيب محمود وهي من أروع ما كتبه الدكتور على مدى حياته وقد كانت طويلة ..
ومن فرسان المقالة الأدبية : المازني والرافعي ومحمود شاكر ذلك العملاق ..
***
حدثتك من قبل عن بعدين من أبعاد ثلاثة تمثل حياة الإنسان ، وبقي أن أحدثك عن البعد الثالث وهو البعد العقلي فالإنسان = جسد + روح + عقل ..
وإذا كانت حياة حياة الجسد بالروح فحياة الروح بالعقل ..
ويكفي للعقل شرفا أن القلم يرفع عمن لا عقل له ومن كان في شبهة إبعاد للعقل كالنائم والطفل الذي لم يبلغ الحلم ..
وثمة عشرات الكتب التي تتحدث عن العقل ، وليس هذا مقام بيان كنهه وإنما السؤال عن علاقة الأدب بالعقل أو العقل بالأدب ؟ ..
والعقل هو الذي يقوم بتنقيح الوجدان ، وإعطائه الشكل الذي يبرز فيه للوجود ..
والكاتب هو الناقد الأول لعمله كما أن القارئ هو الناقد الآخر ..
وليس من النقد في شيء أن يقرأ القاريء نصا ثم يصدر حكمه بأن العمل : رائع أو جيد أو رديء ..إلخ الأحكام المجملة وإنما النقد إضاءة للنص حتى تظهر محاسنه ومعايبه ..
والنقد = حيثيات الحكم ..
وهذه العملية كلها تخضع للعقل ..
وتربية العقل النقدي من أهم مهمات الأمم لأنه لا سبيل لتقدم أو حياة إلا بالعقل النقدي الذي لا يقبل أي شيء كمسلمة / بديهية لا شك فيها كما أنه لا يقبع داخل الشك ..
والسؤال : إذا كان الأدب ضرورة لتنمية الجانب الوجداني فما أهميته وأي ضرورة له بالنسبة للعقل ؟ ..
***
الأدب ضرورة لإنماء العقل لأنه يطلعه على عوالم شتى ، ويتيح له فرص الاختيار بينها ، ليقيم ما يراه لازما أو يعيد تشكيل الواقع وفق ما يراه من هاته العوالم ..
هذا مع كشفه عن علل الواقع ، وعلل الأفكار جميعا ..
وفي وسع القارئ أن يعرف ما كان يموج بمجتمع ما في زمن ما ، من أفكار بإطلاعه على مجموعة من الأعمال الإبداعية الخاصة بتلك الفترة لأن هذه الأفكار ولابد منعكسة فيما بين سطور النصوص الإبداعية ، وقد تظهر ظهورا لا لبس فيه ..
والقارئ هو المبدع الثاني للنص لأنه يرتقي من خلاله إلى عالمه هو ..
وكلما كان المبدع صادقا، كان الارتقاء سهلا إلى عالم القاريء أما الكاتب المزيف فيجيء عمله خاليا من عوامل الارتقاء ..
ويدرك القارئ صلاحية النص من أول صفحة أو أول سطر إذا كان النص قصيرا كما يدرك فساد ثمرة ما من أول قضمة كما قال شو كلاما بهذا المعنى في حديث له لا أذكر الآن مناسبته أو محله غير أن إدراك القاريء لهذا لا يأتيه إلا بعد جهد وتدريب حتى تتمكن فيه الملكة .
تم .
الجمعة، 4 أكتوبر 2019
ضرورة الٱدب.......ثروت مكايد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق